الاثنين، 3 ديسمبر 2018

قصيدة شهيد الجود

قصيدة : ( شهيد الجود ) .
وهي رثاء لشيخنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ورداني عبدالراضي رحمه الله .



هيَ الآجالُ ، حسبُكَ أن تَراها
مقدَّرةً ، وما عنها مَحِيدُ
.
فيا لله مِن عيشٍ تَقضّى
كمثل الطَّيف ليس له مَزيدُ
.
ويا لله مِن موتٍ قَريبٍ
وظاهرُهُ لناظره بعيد
.
ويا لله مِن شيخٍ جليلٍ
بكاهُـ العِلمُ والمجد التّليدُ
.
يَمُوتُ الصّالحون وكلُّ مَوتٍ
يَهُونُ ، ومَوتُهمْ خَطْبٌ شَديدُ
.
غدَونا في الصَّعيد وكلُّ شيخٍ
نبجِّلهُ يودِّعهُ الصَّعيدُ
.
ففيم وداعهمْ ولنا نَحيبٌ
عليهمْ مثلما انتحب الوَليدُ
.
وفيم ذَهابهمْ ولنا اشتياقٌ
وبعضُ الشوق للذِّكرى وَقودُ
.
كأنّيْ مُبصِرٌ ما كان يَرويْ
أَبي ، والقلبُ مُبتهجٌ سعيدُ
.
وأيَّامٌ لَهمْ في خير دارٍ
لِجَدّيْ ذلك الشّيخُ المَجيدُ
.
إمامُ الصَّالحين أَخو المَعاليْ
وكَم فَنٍّ وكَم عِلمٍ يُجِيدُ
.
وفي عِلم القراءات المُعَلَّى
وكلُّ الأرض مِن جَدّيْ تُفِيدُ
.
" عوَاجةُ " أيَّ فضلٍ حزتِ حتّى
إليكِ تَوافدت تلك الوُفودُ
.
وهل لكِ بعد جَدّيَ مِن إمامٍ
وهل بِمَثيله الدُّنيا تَجودُ
.
وحسبيْ مِن فَخَار الدَّهر أَنّيْ
لِشَيخ مَشايخ الدّنيا حَفيدُ
.
فيا لله مِن أيّام رُشْدٍ
قَضَتها عندهُ تلك الحُشودُ
.
و " وَردانيْ " هنالكَ كان نَجمًا
لهُ في مَدرَج العَليا صُعودُ
.
وهِمَّتُهُ اتّقادٌ ليس يَخبو
فما يَنفَكُّ يُدرِكُ ما يُريدُ
.
ومَن سَهِر اللياليَ نالَ مَجدًا
وليس بنائلٍ مَجدًا رَقُودُ
.
ومَن حَفِظ الكِتَابَ غدا إمامًا
فكيف بمن لهُ فَهمٌ سديدُ
.
فلو أَبصرتَ قريتَنا وفيها
حنينٌ والحنينُ له نَشيدُ
.
ولو أَبصرتَ ذاك البيتَ يَرجو
وقد وَلَّى زمانٌ لَو يَعودُ
.
لَمَا أَصبحتَ فينا غيرَ باكٍ
وهل يُحْيي البكاءُ وهل يُعيدُ !
.
بَكَينا عالمَ التَّفسير حتّى
تَكادُ تُدَكُّ بالدَّمع السُّدودُ
.
وحسبُكَ أنْ رأيتَ الجُودَ يَبكيْ
وحسبُ الشَّيخ أنْ يَبكيهِ جُودُ
.
فكيف وليس مِن خيرٍ وفَضلٍ
سوى وبكاؤهُ مَوجٌ يَمِيدُ
.
مآثرُهُ شُموسٌ في ضُحاها
وأَنوارُ البُدور لَها شُهودُ
.
وما أَخلاقُهُ إلا حِسانٌ
قد انتظَمَت بأوسطها العُقودُ
.
وكَم ذِكرٍ لهُ في كلِّ قلبٍ
رَشيدٍ فهْوَ عندهمُ رَشيدُ
.
وكَم نُصحٍ لهُ أَحيا مَوَاتًا
وكَم يَبني العُقولَ وكَم يُشِيدُ
.
وفي " أُمِّ القُرى " كَم بَثَّ عِلمًا
فطُوِّق مِن شُيوخ القَوم جِيدُ
.
وهل لِلأزهر المَعمور مِثْلٌ
وهل يَدنو إلى أَبِهِ وَليدُ !
.
وفي " البَيت الحَرام " لهُ قِيامٌ
وخَلفَ مَقامهِ طال السُّجودُ
.
فلَو نَطَق المَقامُ لَضَجَّ شوقًا
وقال لهُ ولِلعُبَّاد عُودُوا
.
وفي " أَرض الكِنَانة " مِن نَدَاهُ
أَيَادٍ ليس تُبْلِيها العُهُودُ
.
فدُونَكَ مَعهَدٌ لِلعِلم دارٌ
وما في دارِهِ إلّا جُنُودُ
.
ومَسجدُهُ ، وما هُوَ غيرُ نُورٍ
وما جُدرانُهُ إلا سُعُودُ
.
وجَدُّ بَنِيَّ أَسعَدَهُ وُرُودٌ
بمَنزِلنا وأَسعَدَنا الوُرُودُ
.
فلا زِلنا نُؤمِّنُ حيثُ يَدعُو
لَنا والخَيرُ مُنذُ دَعا يَزِيدُ
.
ويَرقِي صِبْيَتيْ ولهُ حُنُوٌّ
عليهمْ مثلما تَحنُو الجُدُودُ
.
شهيدَ الجُودِ حسبُكَ مِن عُلُوٍّ
بأنْ تَعلُو وأنتَ لهُ شهيدُ
.
فإنْ صَعِدتْ إلى مَولاكَ رُوحٌ
فذِكْرُكَ في الوَرى عُمْرٌ مَديدُ
.
إذا ما عِشتَ في الدّنيا حمِيدًا
فذِكرُكَ عندما تَقضِيْ حمِيدُ
.
ولا نَشكُو سوى الفُرقَى ولكنْ
هيَ الدُّنيا فهل فيها خُلُودُ
.
وفي الأُخرى تَطِيبُ حيَاةُ قَومٍ
لَهُمْ عَيشٌ بجَنَّتها رَغِيدُ
.
وهذي الأرضُ كَم فَقَدت ولكنْ
تَكادُ بفَقدِهِ الدّنيا تَبِيدُ
.
إذا ما كان " وَردانيْ " فَقيدًا
فإنّ الدّهرَ أجمعَهُ فَقيدُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نظم مسائل في أحوال الهمزة

لتحميل النظم , اضغط هنا