ودِّعْ هوى الغيدِ
، مِن هندٍ ، وفاطمةٍ * ومِن سعادٍ ، وأطفئ لوعةَ القلَمِ
واسكُب شرابَكَ
، واهجُر عُودَ غانيةٍ * واترُكْ محافلَ أهلِ النّاي والنَّغَمِ
واسلمْ مِن الحُبِّ
، إنّ الحبَّ ظاهرُهُ * شهدٌ ، وباطنُهُ يُفضي إلى السَّقَمِ
وارحل عن الليل
، فالظلماءُ قاتلةٌ * لمن يُحِبُّ ، وما في النّورِ مِن حَرَمِ
فأين تذهبُ يا
مسكينُ مِن قَدَرٍ * وأينَ تهربُ ممّا خُطَّ مِن قِدَمِ
أمامَكَ البحرُ
، والأمواجُ عاتيةٌ * وخلفكَ النارُ تُصْلى مِن لظى الحِمَمِ
وفوقكَ الرّعدُ
، والأمطارُ عاصفةٌ * والأرضُ تسقط في داجٍ من الظُّلَمِ
وأنتَ قلبُكَ في
أشواقه ثَمِلٌ * فكنتَ عن هذه الأهوالِ في صَمَمِ
حتّى أَفَقْتَ
على همٍّ بلا أمَلٍ * وكدتَّ تَقْضي من الأحزانِ ، والألَمِ
هذا هو الحبُّ
، مَن يحياهُ مُفتَقَدٌ * ومَنْ يَراهُ ولو رَأْيَ المنامِ عَمِيْ
فاصرفه عنكَ ،
سوى حُبٍّ تلوذُ به * عند الإله ، وترجو جنّةَ النّعَمِ
وأيُّهُ بعد حُبِّ
اللهِ ، مفترَضٌ * إلا محبةُ خير الخلق كلّهمِ !
فاخشعْ هنا ، واطْرح
الدّنيا بأجمعها * هنا الهوى ، وهنا حُبٌّ بلا ندَمِ
واهًا على كبِدٍ
حَرَّى لفُرقَتِهِ * صار الوجودُ بها لا شيءَ ، كالعَدَمِ
واهًا على العَيشِ
، مُرٌّ في مذاقَتِهِ * واهًا على القَلْب ، مِن بَعْدِ الرّسولِ ظَمِيْ
الدّارُ ، ما الدار
! ، والأحبابُ قد رحلوا * والعَينُ تَحْنو لذِكْراهم بمُنسَجِمِ
والرُّوحُ ، ما
الرُّوحُ ! والأحشاءُ مُضرَمَةٌ * بالشّوقِ ، والشوق يُذْكي روحَ مضطرمِ
ماتَ الرّسولُ
، ووارى التُّرب مُهجَتَهُ * والأرضُ مُذ فارقَتْها الشّمسُ في العَتَمِ
ولو رأيتَ قلوبَ
الصّحْبِ لانتفَضَت * منكَ الضّلوعُ ، بكَسْرٍ غير ملتئمِ
الحزنُ خيّم فينا
غيرَ مرتحِلٍ * والقلبُ أقسمَ : أنّي غيرُ مبتسِمِ
ويُذهبُ الحُزنَ
أن تقفو مسيرتَهُ * وتَتْبَعَ الحُكْمَ في لاءٍ وفي نَعَمِ
وتُكثرَ الذِّكْرَ
للمحبوبِ مشتملًا * عباءةَ الوَصل في الأفعالِ والكَلِمِ
فامدحه غيرَ مغالٍ
في مدائحِهِ * واحذر تنقُّصَ منقوصٍ ومتَّهَمِ
هو الذي قد أضاءَ
الكونَ مولدُهُ * وعادت الرّوحُ بعد الموت للنَّسَمِ
وأينعَ الجَدْبُ
مِن غَيثٍ يجودُ بهِ * كما روى غيثُهُ المِدرارُ كلَّ فمِ
وَجْهٌ صبوحٌ ،
كأنّ البدرَ طَلْعَتُهْ * فيهِ ، وفي كفّهِ هطّالةُ الدّيَمِ
المرءُ يأتي صغيرًا
ثمّ في صُعُدٍ * يكونُ ، إلّاهُ مذ قد كان في عِظَمِ
فحسبُهُ أنّه خيرُ
الورى نسَبًا * وأنّهُ الرّحمةُ المهداةُ للأُمَمِ
وأنّه يومَ حشر
الخلق سيّدُهمْ * فقَدْرُهُ في ابتداءٍ مثلُ مُختَتَمِ
إن قيل : بَعْثَتُه
العُلْيا ، فمولدُهُ * لولاهُ ما كانَ بَعْثُ السيّد العلَمِ
يا مولدَ المصطفى
، قد جئتَ تكرمةً * للخلْقِ ، تبصرةً للعاقلِ الفَهِمِ
في عِطْفِهِ قد
تراءى عِزُّ أمّتِهِ * فصُدَّ أبرهةٌ بالطّير والنِّقَمِ
في حَمْلهِ ظهَرَتْ
للأمّ رحمتُهُ * والذلُّ لوّحَ في كسرى وفي صنَمِ
ماذا نُسَمّيهِ
، جاؤوا جدَّهُ فرأى * حمدًا له غيرَ مجذوذٍ ومنصرمِ
مُحَمَّدٌ ، هكذا
سمّاهُ خالقُهُ * وصانَهُ قبْلُ في الدّنيا فلَم يُرَمِ
مِن أجلهِ ، مُعجزاتُ
اللهِ تتبَعُهُ * فإنّها أصبحَت مِن جُملةِ الحَشَمِ
قد قام يدعو بلا
يأسٍ ، ولا كلَلٍ * وكيف ييأسُ قلبٌ فائقُ الهِمَمِ
وقال : إنّي رسولُ
الله ، فاعتصموا * بالدّينِ ، فالدينُ منجاةٌ لمعتَصِمِ
أحيا بدعوتِهِ
أرواحَ مَن قُبِروا * في الجهْلِ ، يَمْنعُهمْ عن مرتَعٍ وَخِمِ
يذودُ رفقًا ،
وسيفُ الحقِّ في يدِهِ * إذا أراد انحسامَ الشّرِ يَنحسمِ
واسأل بِبَدرٍ
أبا جهلٍ ، ومَن معهُ * قد حذّروهُ ، وقيل : ارجِع أبا الحكَمِ
فقادَهم نحو ذلِّ
الدهر ، منتشيًا * بخمرة الزّهو ، حتّى سيقَ كالنَّعَمِ
وجيشُهُ كُسِرَتْ
في الأرض هيبتُهُ * فمن يشاقق نبيَّ الله ينهزِمِ
والرّيحُ حين أتى
الأحزابُ ، مُرْسَلةٌ * كأنّها الرّمحُ مِن كفِّ الرسول رُمي
فأُلقيَ الرُّعبُ
في أحشاءِ سادتهم * كما تطايرت الأوتادُ من خِيَمِ
بالأمس هاجَرَ
عن قومٍ وعن وطَنٍ * واليوم أقبلَ في عزٍّ وفي شَمَمِ
فاللهُ أكبر ،
هذا يومُ مرحمَةٍ * والعفو مِن شأْن أهلِ الفضلِ والشّيَمِ
عفا ، ولو شاءَ
جُزَّت كلُّ ناصيةٍ * وسالت الأرضُ مِن أشلائهم بِدَمِ
ما الفتح إلا بيانٌ
أنّ رحمتَهُ * قرينةٌ لاقتدارٍ ، ما يَدُمْ تَدُمِ
فصلِّ دومًا ، وسلّم ما حييتَ على * ذي القَدْر ، والعِزِّ ، والإقدامِ ، والكَرَمِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق